هدية الحكومة لأبناء الشعب
أول خطوة في إجراءات التّقشف، التي اتّخذتها الحكومة لمواجهة انهيار أسعار البترول، كان ضحيتها الطبقات المسحوقة من طالبي العمل وأغلبهم من خرّيجي الجامعات الذين صُدِموا بوقف التّوظيف، وبالتّالي تعليق حقهم في البقاء على قيد الحياة ما دام الحق في العيش الكريم أصبح حلما بالنسبة إلى أغلب الجزائريين بمن فيهم الذين يتمتعون بوظيفة.
التّقشف أنواع ومستويات، فكان يمكن البدء بالمستوى الأول الذي يستهدف الميسورين من الأغنياء والإطارات والوزراء والنواب والولاة ورجال الأعمال وغيرهم من الفئات الميسورة التي بإمكانها أن تتحمل أي إجراءات للتقشف دون أن يؤثر ذلك على مستوى معيشتها أو يقلّل من مكانتها الاجتماعية.
هل من المنطقي أن تتحمل الفئات المسحوقة وحدها إجراءات التّقشف من خلال حرمانها من الحق في العمل في الهيئات الحكومية التي كانت تمثل ملاذا لها على مدار العقود الماضية؟ بينما كان الجميع يستفيد من إجراءات الدعم الحكومي لمواد الاستهلاك الواسع كالحليب والخبز حيث يقتنيها الفقير والغني والموظف البسيط والمسؤول الكبير بنفس السعر!!
لماذا لم تبدأ الحكومة بهؤلاء الذين حققوا ثروات طائلة فتفرض عليهم رسوما وضرائب تدعم بها الموازنة بدل قطع شريان المعيشة على أبناء الشّعب الذين يحلمون بوظيفة بسيطة تكفيهم حرج السؤال؟
ولماذا لا يبدأ أعضاء الحكومة بأنفسهم فيخفضوا رواتبهم إلى النصف، ليس إسهاما في تخفيف تأثير انهيار أسعار البترول على الميزيانية، ولكن كنوع من التضامن مع الشعب المسكين من جهة، ونوع من العقوبة الذاتية لأنهم فشلوا في تحويل الاقتصاد الرّيعي إلى اقتصاد منتج يخفف اعتمادنا على ما تنتجه آبار حاسي مسعود وحاسي الرمل.
إنّ الذي يحدث أن الحكومة تخطئ في قراراتها وسياساتها، وعندما تدق ساعة الحساب، وتحمّل نتائج الأخطاء يتم الالتفات إلى الشّعب المطالب بالصّبر على سياسة التقشف وعلى القرارات الارتجالية الرامية إلى التغطية على عورات التسيير وفضائح الفساد الذي لولاه لما اضطررنا إلى مواجهة تأثيرات تراجع أسعار البترول بالاقتطاع من معيشة المواطنين.
كان يمكن تحويل الجزائر إلى جنة الله في الأرض بفضل أموال البترول التي قاربت الـ 1000 مليار دولار، لكن الذي حدث أن أخطبوط الفساد التهم جزءا كبيرا منها، فيما أتى سوء التسيير وعقلية الريع على الجزء المتبقي، وعادت البلاد إلى المربع الأول، وبات خيار الاستدانة من صندوق النقد الدولي والخضوع لشروطه المذلة قضية وقت!
رشيد ولد بوسيافة - جريدة الشروق
تعليقات
إرسال تعليق